فصل: الفصل الْخَامِسُ: بِرُّ آلِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الشفا بتعريف حقوق المصطفى ***


الباب الثَّالِثُ‏:‏ فِي تَعْظِيمِ أَمْرِهِ، وَوُجُوبِ تَوْقِيرِهِ، وَبِرِّهِ

الفصل الْأَوَّلُ‏:‏ مَا وَرَد َ فِي ذَلِكَ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ‏}‏ ‏[‏الْفَتْحِ‏:‏ 8- 9‏]‏‏.‏

وَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَاتِ‏:‏ 1‏]‏‏.‏

وَ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَاتِ‏:‏ 2‏]‏ الثَّلَاثِ الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا‏}‏ ‏[‏النُّورِ‏:‏ 63‏]‏‏.‏

فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى تَعْزِيرَهُ، وَتَوْقِيرَهُ، وَأَلْزَمَ إِكْرَامَهُ، وَتَعْظِيمَهُ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏:‏ تُعَزِّرُوهُ‏:‏ تُجِلُّوهُ‏.‏ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ‏:‏ تُعَزِّرُوهُ‏:‏ تُبَالِغُوا فِي تَعْظِيمِهِ‏.‏

وَقَالَ الْأَخْفَشُ ‏:‏ تَنْصُرُونَهُ‏.‏ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ ‏:‏ تُعِينُونَهُ‏.‏

وَقُرِئَ‏:‏ تُعَزِّزُوهُ بِزَاءَيْنِ مِنَ الْعِزِّ‏.‏

وَنُهِيَ عَنِ التَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْقَوْلِ، وَسُوءِ الْأَدَبِ بِسَبْقِهِ بِالْكَلَامِ، عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ثَعْلَبٍ‏.‏

قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ‏:‏ لَا تَقُولُوا قَبْلَ أَنْ يَقُولَ، وَإِذَا قَالَ فَاسْتَمِعُوا لَهُ، وَأَنْصِتُوا‏.‏

وَنُهُوا عَنِ التَّقَدُّمِ، وَالتَّعَجُّلِ بِقَضَاءِ أَمْرٍ قَبْلَ قَضَائِهِ فِيهِ، وَأَنْ يَفْتَاتُوا بِشَيْءٍ فِي ذَلِكَ مِنْ قِتَالٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ، وَلَا يَسْبِقُوهُ بِهِ‏.‏

وَإِلَى هَذَا يَرْجِعُ قَوْلُ الْحُسَيْنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ، وَالثَّوْرِيِّ‏.‏

ثُمَّ وَعَظَهُمْ، وَحَذَّرَهُمْ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَاتِ‏:‏ 1‏]‏‏.‏

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ‏:‏ اتَّقُوهُ، يَعْنِي فِي التَّقَدُّمِ‏.‏

وَقَالَ السُّلَمِيُّ ‏:‏ اتَّقُوا اللَّهَ فِي إِهْمَالِ حَقِّهِ، وَتَضْيِيعِ حُرْمَتِهِ، إِنَّهُ سُمَيْعٌ لِقَوْلِكُمْ، عَلِيمٌ بِفِعْلِكُمْ‏.‏

ثُمَّ نَهَاهُمْ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ، وَالْجَهْرِ لَهُ بِالْقَوْلِ كَمَا يَجْهَرُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ كَمَا يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِاسْمِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ ‏:‏ أَيْ لَا تُسَابِقُوهُ بِالْكَلَامِ، وَتُغْلِظُوا لَهُ بِالْخِطَابِ، وَلَا تُنَادُوهُ بِاسْمِهِ نِدَاءَ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ، وَلَكِنْ عَظِّمُوهُ، وَوَقِّرُوهُ، وَنَادُوهُ بِأَشْرَفِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُنَادَى بِهِ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ‏.‏

وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى‏:‏ ‏{‏لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا‏}‏ ‏[‏النُّورِ‏:‏ 63‏]‏ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ‏.‏

وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ لَا تُخَاطِبُوهُ إِلَّا مُسْتَفْهِمِينَ‏.‏

ثُمَّ خَوَّفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِحَبْطِ أَعْمَالِهِمْ إِنْ هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْهُ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ، وَقِيلَ‏:‏ فِي غَيْرِهِمْ، أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَوْهُ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ، اخْرُجْ إِلَيْنَا‏.‏ فَذَمَّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْجَهْلِ، وَوَصَفَهُمْ بِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ نَزَلَتِ الْآيَةُ الْأُولَى فِي مُحَاوَرَةٍ كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاخْتِلَافٍ جَرَى بَيْنَهُمَا، حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ خَطِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُفَاخَرَةِ بَنِي تَمِيمٍ، وَكَانَ فِي أُذُنَيْهِ صَمَمٌ، فَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَقَامَ فِي مَنْزِلِهِ، وَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ حَبِطَ عَمَلُهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ هَلَكْتُ، نَهَانَا اللَّهُ أَنْ نَجْهَرَ بِالْقَوْلِ، وَأَنَا امْرُؤٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ‏.‏

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «يَا ثَابِتُ، أَمَّا تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حَمِيدًا، وَتُقْتَلَ شَهِيدًا، وَتَدْخُلَ الْجَنَّةَ‏؟‏‏!‏» فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ‏.‏

وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ‏:‏ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أُكَلِّمُكَ بَعْدَهَا إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ‏.‏

وَأَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا حَدَّثَهُ حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ، مَا كَانَ يَسْمَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَاتِ‏:‏ 3‏]‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَاتِ‏:‏ 4‏]‏ فِي غَيْرِ بَنِي تَمِيمٍ، نَادَوْهُ بِاسْمِهِ‏:‏

وَرَوَى صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ‏:‏ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ إِذَا نَادَاهُ أَعْرَابِيٌّ بِصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٌّ‏:‏ أَيَا مُحَمَّدُ‏.‏ قُلْنَا لَهُ‏:‏ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ، فَإِنَّكَ قَدْ نُهِيتَ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ‏.‏

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا‏}‏ ‏[‏الْبَقَرَةِ‏:‏ 104‏]‏‏.‏

قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ‏:‏ هِيَ لُغَةٌ كَانَتْ فِي الْأَنْصَارِ، نُهُوا عَنْ قَوْلِهَا تَعْظِيمًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَبْجِيلًا لَهُ، لِأَنَّ مَعْنَاهَا‏:‏ ارْعَنَا نَرْعَكَ، فَنُهُوا عَنْ قَوْلِهَا، إِذْ مُقْتَضَاهَا كَأَنَّهُمْ لَا يَرْعَوْنَهُ إِلَّا بِرِعَايَتِهِ لَهُمْ، بَلْ حَقُّهُ أَنْ يُرْعَى عَلَى كُلِّ حَالٍ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ كَانَتِ الْيَهُودُ تُعَرِّضُ بِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرُّعُونَةِ، فَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ قَوْلِهَا قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ، وَمَنْعًا لِلتَّشْبِيهِ بِهِمْ فِي قَوْلِهَا، لِمُشَارَكَةِ اللَّفْظَةِ، وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا‏.‏

الفصل الثَّانِي‏:‏ فِي عَادَةِ الصَّحَابَةِ فِي تَعْظِيمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَوْقِيرِهِ، وَإِجْلَالِهِ

‏[‏حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ ، وَ أَبُو بَحْرٍ الْأَسَدِيُّ بِسَمَاعِي عَلَيْهِمَا فِي آخَرِينَ، قَالُوا‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى، وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالُوا حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ‏]‏ عَنْ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنِي مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ، لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنِي مِنْهُ‏.‏

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، وَهُمْ جُلُوسٌ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَيْهِ بَصَرَهُ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَإِنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا، وَيَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ، وَيَتَبَسَّمُ لَهُمَا‏.‏

وَرَوَى أُسَامَةُ بْنُ شَرِيكٍ، قَالَ‏:‏ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُهُ حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ‏.‏

وَفِي حَدِيثِ صِفَتِهِ‏:‏ إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ‏.‏

وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حِينَ وَجَّهَتْهُ قُرَيْشٌ عَامَ الْقَضِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَى مِنْ تَعْظِيمِ أَصْحَابِهِ لَهُ مَا رَأَى، وَأَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا ابْتَدَرُوا وَضَوْءَهُ، وَكَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَيْهِ، وَلَا يَبْصُقُ بُصَاقًا، وَلَا يَتَنَخَّمُ نُخَامَةً إِلَّا تَلَقَّوْهَا بِأَكُفِّهِمْ فَدَلَّكُوا بِهَا وُجُوهَهُمْ، وَأَجْسَادَهُمْ، وَلَا تَسْقُطُ مِنْهُ شَعْرَةٌ إِلَّا ابْتَدَرُوهَا، وَإِذَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ‏.‏

فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ قَالَ‏:‏ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي جِئْتُ كِسْرَى فِي مُلْكِهِ، وَقَيْصَرَ فِي مُلْكِهِ، وَالنَّجَاشِيَّ فِي مُلْكِهِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكًا فِي قَوْمٍ قَطُّ مِثْلَ مُحَمَّدٍ فِي أَصْحَابِهِ‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ‏:‏ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ مُحَمَّدًا أَصْحَابُهُ‏.‏ وَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا لَا يُسْلِمُونَهُ أَبَدًا‏.‏

وَعَنْ أَنَسٍ‏:‏ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحَلَّاقُ يَحْلِقُهُ، وَقَدْ أَطَافَ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَمَا يُرِيدُونَ أَنْ تَقَعَ شَعْرَةٌ إِلَّا فِي يَدِ رَجُلٍ‏.‏

وَمِنْ هَذَا لَمَّا أَذِنَتْ قُرَيْشٌ لِعُثْمَانَ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ حِينَ وَجَّهَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فِي الْقَضِيَّةِ أَبَى، وَقَالَ‏:‏ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَفِي حَدِيثِ طَلْحَةَ‏:‏ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِأَعْرَابِيٍّ جَاهِلٍ‏:‏ سَلْهُ عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ، وَكَانُوا يَهَابُونَهُ، وَيُوَقِّرُونَهُ، فَسَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، إِذْ طَلَعَ طَلْحَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ»‏.‏

وَفِي حَدِيثِ قَيْلَةَ‏:‏ فَلَمَّا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا الْقُرْفُصَاءَ أَرْعَدْتُ مِنَ الْفَرَقِ، وَذَلِكَ هَيْبَةً لَهُ، وَتَعْظِيمًا‏.‏

وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ‏:‏ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَعُونَ بَابَهُ بِالْأَظَافِرِ‏.‏

وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ‏:‏ لَقَدْ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأَمْرِ فَأُؤَخِّرُ سِنِينَ مِنْ هَيْبَتِهِ‏.‏

الفصل الثَّالِثُ‏:‏ حُرْمَتُهُ، وَتَوْقِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَاعْلَمْ أَنَّ حُرْمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَتَوْقِيرَهُ، وَتَعْظِيمَهُ لَازِمٌ كَمَا كَانَ حَالَ حَيَاتِهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذِكْرِ حَدِيثِهِ، وَسُنَّتِهِ، وَسَمَاعِ اسْمِهِ، وَسِيرَتِهِ، وَمُعَامَلَةِ آلِهِ، وَعِتْرَتِهِ، وَتَعْظِيمِ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَصَحَابَتِهِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ التُّجِيبِيُّ ‏:‏ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ مَتَّى ذَكَرَهُ، أَوْ ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنْ يَخْضَعَ، وَيَخْشَعَ، وَيَتَوَقَّرَ، وَيُسَكِّنَ مِنْ حَرَكَتِهِ، وَيَأْخُذَ فِي هَيْبَتِهِ، وَإِجْلَالِهِ بِمَا كَانَ يَأْخُذُ بِهِ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَتَأَدَّبُ بِمَا أَدَّبَنَا اللَّهُ بِهِ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ ‏:‏ وَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةَ سَلَفِنَا الصَّالِحِ، وَأَئِمَّتِنَا الْمَاضِينَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-‏.‏

‏[‏حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْعَرِيُّ ، وَأَبُو الْقَاسِمِ أَحْمَدُ بْنُ بَقِيٍّ الْحَاكِمُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، فِيمَا أَجَازُونِيهِ، قَالُوا‏:‏ أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ دِلْهَاثٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ فِهْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُنْتَابِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ‏]‏، قَالَ‏:‏ نَاظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَالِكًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ‏:‏ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَدَّبَ قَوْمًا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَاتِ‏:‏ 2‏]‏ الْآيَةَ‏.‏

وَمَدَحَ قَوْمًا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَاتِ‏:‏ 3‏]‏ الْآيَةَ‏.‏

وَذَمَّ قَوْمًا فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَاتِ‏:‏ 4‏]‏ الْآيَةَ‏.‏ وَإِنَّ حُرْمَتَهُ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا‏.‏

فَاسْتَكَانَ لَهَا أَبُو جَعْفَرٍ، وَقَالَ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، أَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَأَدْعُو أَمْ أَسْتَقْبِلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَكَ عَنْهُ، وَهُوَ وَسِيلَتُكَ، وَوَسِيلَةُ أَبِيكَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏؟‏ بَلِ اسْتَقْبِلْهُ، وَاسْتَشْفِعْ بِهِ، فَيُشَفِّعَهُ اللَّهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ‏}‏ ‏[‏النِّسَاءِ‏:‏ 64‏]‏ الْآيَةَ‏.‏

وَقَالَ مَالِكٌ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ‏:‏ مَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ أَحَدٍ إِلَّا وَأَيُّوبُ أَفْضَلُ مِنْهُ‏:‏

وَقَالَ‏:‏ وَحَجَّ حَجَّتَيْنِ، فَكُنْتُ أَرْمُقُهُ، وَلَا أَسْمَعُ مِنْهُ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى حَتَّى أَرْحَمُهُ‏.‏

فَلَمَّا رَأَيْتُ مِنْهُ مَا رَأَيْتُ، وَإِجْلَالَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبْتُ عَنْهُ‏.‏

وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ‏:‏ كَانَ مَالِكٌ إِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ، وَيَنْحَنِي حَتَّى يَصْعُبَ ذَلِكَ عَلَى جُلَسَائِهِ، فَقِيلَ لَهُ يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَمَا أَنْكَرْتُمْ عَلَيَّ مَا تَرَوْنَ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَرَى مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ، وَكَانَ سَيِّدَ الْقُرَّاءِ لَا نَكَادُ نَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ أَبَدًا إِلَّا يَبْكِي حَتَّى نَرْحَمَهُ‏.‏

وَلَقَدْ كُنْتُ أَرَى جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ، وَكَانَ كَثِيرَ الدُّعَابَةِ، وَالتَّبَسُّمِ، فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْفَرَّ‏.‏ وَمَا رَأَيْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ‏.‏

وَقَدِ اخْتَلَفَتْ إِلَيْهِ زَمَانًا فَمَا كُنْتُ أَرَاهُ إِلَّا عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ‏:‏ إِمَّا مُصَلِّيًا، وَإِمَّا صَامِتًا، وَإِمَّا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَالْعُبَّادِ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

وَلَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ يَذْكُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنْظَرُ إِلَى لَوْنِهِ كَأَنَّهُ نَزَفَ مِنْهُ الدَّمُ، وَقَدْ جَفَّ لِسَانُهُ فِي فَمِهِ هَيْبَةً مِنْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَلَقَدْ كُنْتُ آتِي عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى حَتَّى لَا يَبْقَى فِي عَيْنَيْهِ دُمُوعٌ‏.‏

وَلَقَدْ رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَهْنَإِ النَّاسِ، وَأَقَرَبِهِمْ، فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ مَا عَرَفَكَ، وَلَا عَرَفْتَهُ‏.‏

وَلَقَدْ كُنْتُ آتِي صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ، وَكَانَ مِنَ الْمُتَعَبِّدِينَ الْمُجْتَهِدِينَ، فَإِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى، فَلَا يَزَالُ يَبْكِي حَتَّى يَقُومَ النَّاسُ عَنْهُ، وَيَتْرُكُوهُ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ الْحَدِيثَ أَخَذَهُ الْعَوِيلُ، وَالزَّوِيلُ‏.‏

وَلَمَّا كَثُرَ عَلَى مَالِكٍ النَّاسُ قِيلَ لَهُ‏:‏ لَوْ جَعَلْتَ مُسْتَمْلِيًا يُسْمِعُهُمْ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَاتِ‏:‏ 2‏]‏، وَحُرْمَتُهُ حَيًّا، وَمَيِّتًا سَوَاءٌ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ رُبَّمَا يَضْحَكُ، فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشَعَ‏.‏

وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ إِذَا قَرَأَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالسُّكُوتِ، وَقَالَ‏:‏ ‏{‏لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ‏}‏ ‏[‏الْحُجُرَاتِ‏:‏ 2‏]‏، وَيَتَأَوَّلُ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُ مِنَ الْإِنْصَاتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ حَدِيثِهِ مَا يَجِبُ لَهُ عِنْدَ سَمَاعِ قَوْلِهِ‏.‏

الفصل الرَّابِعُ‏:‏ فِي سِيرَةِ السَّلَفِ فِي تَعْظِيمِ رِوَايَةِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُنَّتِهِ

‏[‏حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ، وَغَيْرُهُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُبَشِّرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ‏:‏ اخْتَلَفْتُ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ سَنَةً، فَمَا‏]‏ سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّهُ حَدَّثَ يَوْمًا فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَلَاهُ كَرْبٌ، حَتَّى رَأَيْتُ الْعَرَقَ يَتَحَدَّرُ عَنْ جَبْهَتِهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ هَكَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ فَوْقَ ذَا، أَوْ مَا دُونَ ذَا، أَوْ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ ذَا‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ‏:‏ فَتَرَبَّدَ وَجْهُهُ‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ‏:‏ وَقَدْ تَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ‏.‏

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرَيْمٍ الْأَنْصَارِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ‏:‏ مَرَّ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَلَى أَبِي حَازِمٍ، وَهُوَ يُحَدِّثُ، فَجَازَهُ، وَقَالَ‏:‏ إِنِّي لَمْ أَجِدْ مَوْضِعًا أَجْلِسُ فِيهِ، فَكَرِهْتُ أَنْ آخُذَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا قَائِمٌ‏.‏

وَقَالَ مَالِكٌ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ الْمُسَيَّبِ، فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ، وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، فَجَلَسَ، وَحَدَّثَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ‏:‏ وَدِدْتُ أَنَّكَ لَمْ تَتَعَنَّ، فَقَالَ‏:‏ إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا مُضْطَجِعٌ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ يَضْحَكُ، فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشَعَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو مُصْعَبٍ ‏:‏ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ، إِجْلَالًا لَهُ‏.‏

وَحَكَى مَالِكٌ ذَلِكَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ‏.‏

وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ كَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، وَتَهَيَّأَ، وَلَبِسَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ يُحَدِّثُ‏.‏

قَالَ مُصْعَبٌ ‏:‏ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ مُطَرِّفٌ‏:‏ كَانَ إِذَا أَتَى النَّاسَ مَالِكًا خَرَجَتْ إِلَيْهِمُ الْجَارِيَةُ فَتَقُولُ لَهُمْ‏:‏ يَقُولُ لَكُمُ الشَّيْخُ‏:‏ تُرِيدُونَ الْحَدِيثَ أَوِ الْمَسَائِلَ‏؟‏ فَإِنْ قَالُوا‏:‏ الْمَسَائِلَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ، وَإِنْ قَالُوا‏:‏ الْحَدِيثَ دَخَلَ مُغْتَسَلَهُ، وَاغْتَسَلَ، وَتَطَيَّبَ، وَلَبِسَ ثِيَابًا جُدُدًا، وَلَبِسَ سَاجَهُ، وَتَعَمَّمَ، وَوَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ رِدَاءً، وَتُلْقَى لَهُ مِنَصَّةٌ، فَيَخْرُجُ فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِ الْخُشُوعُ، وَلَا يَزَالُ يُبَخَّرُ بِالْعُودِ حَتَّى يَفْرَغَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ غَيْرُهُ‏:‏ وَلَمْ يَكُنْ يَجْلِسُ عَلَى تِلْكَ الْمِنَصَّةِ إِلَّا إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ‏:‏ فَقِيلَ لِمَالِكٍ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ أُحِبُّ أَنْ أُعَظِّمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أُحَدِّثُ بِهِ إِلَّا عَنْ طَهَارَةٍ مُتَمَكِّنًا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُحَدِّثَ فِي الطَّرِيقِ، أَوْ وَهُوَ قَائِمٌ، أَوْ مُسْتَعْجِلٌ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ أُحِبُّ أَنْ أَفْهَمَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

‏[‏قَالَ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ ‏:‏ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُحَدِّثُوا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ‏.‏

وَنَحْوَهُ عَنْ قَتَادَةَ‏.‏

وَكَانَ الْأَعْمَشُ إِذَا حَدَّثَ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ تَيَمَّمَ‏.‏

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ‏:‏ كُنْتُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَهُوَ يُحَدِّثُنَا، فَلَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ سِتَّ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَهُوَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ، وَيَصْفَرُّ، وَلَا يَقْطَعُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمَجْلِسِ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ قُلْتُ لَهُ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ مِنْكَ عَجَبًا‏.‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، لَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ سِتَّ عَشْرَةَ مَرَّةً، وَأَنَا صَابِرٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا صَبَرْتُ إِجْلَالًا لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ ‏:‏ مَشَيْتُ يَوْمًا مَعَ مَالِكٍ إِلَى الْعَقِيقِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ، فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ لِي‏:‏ كُنْتَ فِي عَيْنِي أَجَلَّ مِنْ أَنْ تَسْأَلَ عَنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ نَمْشِي‏.‏

وَسَأَلَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْقَاضِي عَنْ حَدِيثٍ، وَهُوَ قَائِمٌ، فَأَمَرَ بِحَبْسِهِ، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ إِنَّهُ قَاضٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ الْقَاضِي أَحَقُّ مَنْ أُدِّبَ‏.‏

وَذَكَرَ أَنَّ هِشَامَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْغَازِي سَأَلَ مَالِكًا عَنْ حَدِيثٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ فَضَرَبَهُ عِشْرِينَ سَوْطًا، ثُمَّ أَشْفَقَ عَلَيْهِ، فَحَدَّثَهُ عِشْرِينَ حَدِيثًا، فَقَالَ هِشَامٌ‏:‏ وَدِدْتُ لَوْ زَادَنِي سِيَاطًا، وَيَزِيدُنِي حَدِيثًا‏.‏

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ‏:‏ كَانَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ لَا يَكْتُبَانِ الْحَدِيثَ إِلَّا وَهُمَا طَاهِرَانِ‏.‏

وَكَانَ قَتَادَةُ يَسْتَحِبُّ أَلَّا يَقْرَأَ أَحَادِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى وُضُوءٍ، وَلَا يُحَدِّثُ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ‏.‏

وَكَانَ الْأَعْمَشُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَدِّثَ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ تَيَمَّمَ‏.‏

الفصل الْخَامِسُ‏:‏ بِرُّ آلِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ

وَمِنْ تَوْقِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِرِّهِ، بِرُّ آلِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَزْوَاجِهِ، كَمَا حَضَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَلَكَهُ السَّلَفُ الصَّالِحُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-‏.‏

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ‏}‏ ‏[‏الْأَحْزَابِ‏:‏ 33‏]‏ الْآيَةَ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ‏}‏ ‏[‏الْأَحْزَابِ‏:‏ 6‏]‏‏.‏

‏[‏أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَحْمَدَ الْعَدْلُ مِنْ كِتَابِهِ، وَكَتَبْتُ مِنْ أَصْلِهِ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمُقْرِئُ الْفَرْغَانِيُّ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ الْقَاسِمِ بِنْتُ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْخَفَّافِ، قَالَتْ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ هُوَ ابْنُ عُقَيْلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ،‏]‏ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَهْلَ بَيْتِي‏.‏‏.‏»‏.‏ ثَلَاثًا‏.‏

قُلْنَا لِزَيْدٍ‏:‏ مَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ الْعَبَّاسِ‏.‏

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا‏:‏ كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا»‏.‏

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَعْرِفَةُ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَحُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ جَوَازٌ عَلَى الصِّرَاطِ، وَالْوِلَايَةُ لِآلِ مُحَمَّدٍ أَمَانٌ مِنَ الْعَذَابِ»‏.‏

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ‏:‏ مَعْرِفَتُهُمْ هِيَ مَعْرِفَةُ مَكَانِهِمْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا عَرَفَهُمْ بِذَلِكَ عَرَفَ وُجُوبَ حَقِّهِمْ، وَحُرْمَتِهِمْ بِسَبَبِهِ‏.‏

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ‏}‏ ‏[‏الْأَحْزَابِ‏:‏ 33‏]‏، وَذَلِكَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ دَعَا فَاطِمَةَ، وَحَسَنًا، وَحُسَيْنًا، فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ، وَعَلِيٌّ خَلَفَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا»‏.‏

وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ‏:‏ لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُبَاهَلَةِ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا، وَحَسَنًا، وَحُسَيْنًا، وَفَاطِمَةَ، وَقَالَ‏:‏ «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي»‏.‏

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَلِيٍّ‏:‏ «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ، وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»‏.‏

وَقَالَ فِيهِ‏:‏ «لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَبْغَضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ»‏.‏

وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ‏:‏ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ‏.‏ وَمَنْ آذَى عَمِّي فَقَدْ آذَانِي، وَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ»‏.‏

وَقَالَ لِلْعَبَّاسِ‏:‏ «اغْدُ عَلَيَّ يَا عَمِّ مَعَ وَلَدِكَ، فَجَمَعَهُمْ، وَجَلَّلَهُمْ بِمُلَاءَتِهِ، وَقَالَ‏:‏ هَذَا عَمِّي، وَصِنْوُ أَبِي، وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَاسْتُرْهُمْ مِنَ النَّارِ كَسَتْرِي إِيَّاهُمْ» فَأَمَّنَتْ أُسْكُفَّةُ الْبَابِ، وَحَوَائِطُ الْبَيْتِ‏:‏ آمِينَ‏.‏ آمِينَ‏.‏

وَكَانَ يَأْخُذُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَالْحَسَنَ، وَيَقُولُ‏:‏ «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا»‏.‏

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ‏.‏

وَقَالَ أَيْضًا‏:‏ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي‏.‏

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حَسَنًا،»‏.‏

وَقَالَ‏:‏ «مَنْ أَحَبَّنِي، وَأَحَبَّ هَذَيْنِ، وَأَشَارَ إِلَى حَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ، وَأَبَاهُمَا، وَأُمَّهُمَا كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»‏.‏

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ أَهَانَ قُرَيْشًا أَهَانَهُ اللَّهُ»‏.‏

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا، وَلَا تَقَدَّمُوهَا»‏.‏

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ‏:‏ «لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ»‏.‏

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ‏:‏ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَجَعَلَ الْحَسَنَ عَلَى عُنُقِهِ، وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِي، لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِي، وَعَلِيٌّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَضْحَكُ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ‏:‏ أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي حَاجَةٍ، فَقَالَ لِي‏:‏ إِذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَأَرْسِلْ إِلَيَّ أَوِ اكْتُبْ، فَإِنِّي أَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَاكَ عَلَى بَابِي‏.‏

وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ صَلَّى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى جِنَازَةِ أُمِّهِ، ثُمَّ قُرِّبَتْ لَهُ بَغْلَتُهُ لِيَرْكَبَهَا، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَأَخَذَ بِرِكَابِهِ، فَقَالَ زَيْدٌ‏:‏ خَلِّ عَنْهُ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ هَكَذَا نَفْعَلُ بِالْعُلَمَاءِ‏.‏ فَقَبَّلَ زَيْدٌ يَدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ‏:‏ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا‏.‏

وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ مُحَمَّدَ بْنَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ‏:‏ لَيْتَ هَذَا عَبْدِي، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ‏.‏ فَطَأْطَأَ ابْنُ عُمَرَ رَأْسَهُ، وَنَقَرَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ، وَقَالَ‏:‏ لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَحَبَّهُ‏.‏

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ‏:‏ دَخَلَتْ بِنْتُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَعَهَا مَوْلًى لَهَا يُمْسِكُ بِيَدِهَا، فَقَامَ لَهَا عُمَرُ، وَمَشَى إِلَيْهَا حَتَّى جَعَلَ يَدَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَدَاهُ فِي ثِيَابِهِ، وَمَشَى بِهَا حَتَّى أَجْلَسَهَا عَلَى مَجْلِسِهِ، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهَا، وَمَا تَرَكَ لَهَا حَاجَةً إِلَّا قَضَاهَا‏.‏

وَلَمَّا فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ، وَلِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَبِيهِ‏:‏ لِمَ فَضَّلْتَهُ، فَوَاللَّهِ مَا سَبَقَنِي إِلَى مَشْهَدٍ‏؟‏ فَقَالَ لَهُ‏:‏ لِأَنَّ زَيْدًا كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيكَ، وَأُسَامَةَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْكَ، فَآثَرْتُ حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حُبِّي‏.‏

وَبَلَغَ مُعَاوِيَةَ أَنَّ كَابِسَ بْنَ رَبِيعَةَ يُشَبَّهُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الدَّارِ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ، وَتَلَقَّاهُ، وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَأَقْطَعَهُ الْمِرْعَابَ لِشَبَهِهِ صُورَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَرُوِيَ أَنَّ مَالِكًا- رَحِمَهُ اللَّهُ- لَمَّا ضَرَبَهُ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَنَالَ مِنْهُ مَا نَالَ، وَحُمِلَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَأَفَاقَ، فَقَالَ‏:‏ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَعَلْتُ ضَارِبِي فِي حِلٍّ‏.‏

فَسُئِلَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ خِفْتُ أَنْ أَمُوتَ، فَأَلْقَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْتَحِي مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ بَعْضُ آلِهِ النَّارَ بِسَبَبِي‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ الْمَنْصُورَ أَقَادَهُ مِنْ جَعْفَرٍ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ أَعُوذُ بِاللَّهِ‏!‏، وَاللَّهِ مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا سَوْطٌ عَنْ جِسْمِي إِلَّا وَقَدْ جَعَلْتُهُ فِي حِلٍّ لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ‏:‏ لَوْ أَتَانِي أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ لَبَدَأْتُ بِحَاجَةِ عَلِيٍّ قَبْلَهُمَا، لِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقَدِّمَهُ عَلَيْهِمَا‏.‏

وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ مَاتَتْ فُلَانَةُ لِبَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَجَدَ، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَتَسْجُدُ هَذِهِ السَّاعَةَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَلَيْسَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «إِذَا رَأَيْتُمْ آيَةً فَاسْجُدُوا» وَأَيُّ آيَةٍ أَعْظَمُ مِنْ ذَهَابِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏‏.‏

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ يَزُورَانِ أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولَانِ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا‏.‏

وَلَمَّا وَرَدَتْ حَلِيمَةُ السَّعْدِيَّةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ، وَقَضَى حَاجَتَهَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، وَفَدَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ فَصَنَعَا بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ‏.‏

الفصل السَّادِسُ‏:‏ تَوْقِيرُ، وَبِرُّ أَصْحَابِهِ، وَمَعْرِفَةُ حَقِّهِمْ

وَمِنْ تَوْقِيرِهِ، وَبِرِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْقِيرُ أَصْحَابِهِ، وَبِرُّهُمْ، وَمَعْرِفَةُ حَقِّهِمْ، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ، وَحُسْنُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمْ، وَالْإِمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُمْ، وَالْإِضْرَابُ عَنْ أَخْبَارِ الْمُؤَرِّخِينَ، وَجَهَلَةِ الرُّوَاةِ، وَضُلَّالِ الشِّيعَةِ، وَالْمُبْتَدِعِينَ الْقَادِحَةِ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَأَنْ يُلْتَمَسَ لَهُمْ- فِيمَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْفِتَنِ- أَحْسَنُ التَّأْوِيلَاتِ، وَيُخَرَّجَ لَهُمْ أَصْوَبُ الْمَخَارِجِ، إِذْ هُمْ أَهْلُ ذَلِكَ، وَلَا يُذْكَرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِسُوءٍ، وَلَا يُغْمَضَ عَلَيْهِ أَمْرٌ، بَلْ تُذْكَرَ حَسَنَاتُهُمْ، وَفَضَائِلُهُمْ، وَحَمِيدُ سِيرَتِهِمْ، وَيُسْكَتَ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا»‏.‏

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ‏}‏ ‏[‏الْفَتْحِ‏:‏ 29‏]‏ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ‏}‏ ‏[‏التَّوْبَةِ‏:‏ 100‏]‏ الْآيَةَ‏.‏

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ‏}‏ ‏[‏الْفَتْحِ‏:‏ 18‏]‏‏.‏

وَقَالَ‏:‏ ‏{‏رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏الْأَحْزَابِ‏:‏ 23‏]‏ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو الْفَضْلِ، قَالَا‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا التِّرْمِذِيُّ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي‏:‏ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ»‏.‏

وَقَالَ‏:‏ «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ»‏.‏

وَعَنْ أَنَسٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَثَلُ أَصْحَابِي كَمَثَلِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، لَا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلَّا بِهِ»‏.‏

وَقَالَ‏:‏ «اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ»‏.‏

وَقَالَ‏:‏ «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»‏.‏

وَقَالَ‏:‏ «مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا»‏.‏

وَقَالَ‏:‏ «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا»‏.‏

وَقَالَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ‏:‏ «إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ سِوَى النَّبِيِّينَ، وَالْمُرْسَلِينَ، وَاخْتَارَ لِي مِنْهُمْ أَرْبَعَةً‏:‏ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، فَجَعَلَهُمْ خَيْرَ أَصْحَابِي، وَفِي أَصْحَابِي كُلِّهِمْ خَيْرٌ»‏.‏

وَقَالَ‏:‏ «مَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَ عُمَرَ فَقَدْ أَبْغَضَنِي»‏.‏

وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَغَيْرُهُ‏:‏ مَنْ أَبْغَضَ الصَّحَابَةَ، وَسَبَّهُمْ فَلَيْسَ لَهُ فِي فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَقٌّ، وَنَزَعَ بِآيَةِ الْحَشْرِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ‏}‏ ‏[‏الْحَشْرِ‏:‏ 10‏]‏ الْآيَةَ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ مَنْ غَاظَهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ فَهُوَ كَافِرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ‏}‏ ‏[‏الْفَتْحِ‏:‏ 29‏]‏‏.‏

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ‏:‏ خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ نَجَا‏:‏ الصِّدْقُ، وَحُبُّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ ‏:‏ مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرٍ فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ، وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَدْ أَوْضَحَ السَّبِيلَ، وَمَنْ أَحَبَّ عُثْمَانَ فَقَدِ اسْتَضَاءَ بِنُورِ اللَّهِ، وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ أَخَذَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَمَنْ أَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ، وَمَنِ انْتَقَصَ أَحَدًا مِنْهُمْ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ، وَالسَّلَفِ الصَّالِحِ، وَأَخَافُ أَلَّا يَصْعَدَ لَهُ عَمَلٌ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى يُحِبَّهُمْ جَمِيعًا، وَيَكُونَ قَلْبُهُ سَلِيمًا‏.‏

وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَاضٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَاعْرِفُوا لَهُ ذَلِكَ‏.‏ أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي رَاضٍ عَنْ عُمَرَ، وَعَنْ عَلِيٍّ، وَعَنْ عُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدٍ، وَسَعِيدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَاعْرِفُوا لَهُمْ ذَلِكَ‏.‏ أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ غَفَرَ لِأَهْلِ بَدْرٍ، وَالْحُدَيْبِيَةِ، أَيُّهَا النَّاسُ، احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي، وَأَصْهَارِي، وَأَخْتَانِي، لَا يُطَالِبَنَّكُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَظْلَمَةٍ، فَإِنَّهَا مَظْلَمَةٌ لَا تُوهَبُ فِي الْقِيَامَةِ غَدًا»‏.‏

وَقَالَ رَجُلٌ لِلْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ‏:‏ أَيْنَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ مُعَاوِيَةَ‏؟‏ فَغَضِبَ، وَقَالَ‏:‏ لَا يُقَاسُ بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ، مُعَاوِيَةُ صَاحِبُهُ، وَصِهْرُهُ، وَكَاتِبُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِ اللَّهِ‏.‏

وَأُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ، وَقَالَ‏:‏ «كَانَ يُبْغِضُ عُثْمَانَ فَأَبْغَضَهُ اللَّهُ»‏.‏

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَنْصَارِ‏:‏ «اعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ»‏.‏

وَقَالَ‏:‏ «احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي، وَأَصْهَارِي، فَإِنَّهُ مَنْ حَفِظَنِي فِيهِمْ حَفِظَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْنِي فِيهِمْ تَخَلَّى اللَّهُ مِنْهُ، وَمَنْ تَخَلَّى اللَّهُ مِنْهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ»‏.‏

وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ حَفِظَنِي فِي أَصْحَابِي كُنْتُ لَهُ حَافِظًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»‏.‏

وَقَالَ‏:‏ «مَنْ حَفِظَنِي فِي أَصْحَابِي، وَرَدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْنِي فِي أَصْحَابِي لَمْ يَرِدْ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَلَمْ يَرَنِي إِلَّا مِنْ بَعِيدٍ»‏.‏

قَالَ مَالِكٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ-‏:‏ هَذَا النَّبِيُّ مُؤَدِّبُ الْخَلْقِ الَّذِي هَدَانَا اللَّهُ بِهِ، وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، يَخْرُجُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ إِلَى الْبَقِيعِ فَيَدْعُو لَهُمْ، وَيَسْتَغْفِرُ كَالْمُوَدِّعِ لَهُمْ، وَبِذَلِكَ أَمَرَهُ اللَّهُ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُبِّهِمْ، وَمُوَالَاتِهِمْ، وَمُعَادَاةِ مَنْ عَادَاهُمْ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ كَعْبٍ‏:‏ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لَهُ شَفَاعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَطَلَبَ مِنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ ‏:‏ لَمْ يُؤْمِنْ بِالرَّسُولِ مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ أَصْحَابَهُ، وَلَمْ يُعِزَّ أَوَامِرَهُ‏.‏

الفصل السَّابِعُ‏:‏ إِعْزَازُ، وَإِكْرَامُ مَنْ لَهُ صِلَةٌ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَمِنْ إِعْظَامِهِ، وَإِكْبَارِهِ إِعْظَامُ جَمِيعِ أَسْبَابِهِ، وَإِكْرَامُ مَشَاهِدِهِ، وَأَمْكِنَتِهِ مِنْ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةِ، وَمَعَاهِدِهِ، وَمَا لَمَسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عُرِفَ بِهِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ نَجْدَةَ، قَالَتْ‏:‏ كَانَ لِأَبِي مَحْذُورَةَ قُصَّةٌ فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِذَا قَعَدَ، وَأَرْسَلَهَا أَصَابَتِ الْأَرْضَ‏.‏ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَلَا تَحْلِقُهَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لَمْ أَكُنْ بِالَّذِي أَحْلِقُهَا، وَقَدْ مَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ‏.‏

وَكَانَتْ فِي قَلَنْسُوَةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ شَعَرَاتٌ مِنْ شَعَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ فِي بَعْضِ حُرُوبِهِ، فَشَدَّ عَلَيْهَا شَدَّةً أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثْرَةَ مَنْ قُتِلَ فِيهَا، فَقَالَ‏:‏ لَمْ أَفْعَلْهَا بِسَبَبِ الْقَلَنْسُوَةِ، بَلْ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ شَعَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا أُسْلَبَ بَرَكَتَهَا، وَتَقَعَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ‏.‏

وَرُئِيَ ابْنُ عُمَرَ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى مَقْعَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى وَجْهِهِ‏]‏‏.‏

وَلِهَذَا كَانَ مَالِكٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ- لَا يَرْكَبُ بِالْمَدِينَةِ دَابَّةً، وَكَانَ يَقُولُ‏:‏ أَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَطَأَ تُرْبَةً فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ بِحَافِرِ دَابَّةٍ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ وَهَبَ لِلشَّافِعِيِّ كُرَاعًا كَثِيرًا كَانَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَمْسِكْ مِنْهَا دَابَّةً‏.‏ فَأَجَابَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ‏.‏

وَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ فَضْلَوَيْهِ الزَّاهِدِ، وَكَانَ مِنَ الْغُزَاةِ الرُّمَاةِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَا مَسَسْتُ الْقَوْسَ بِيَدِي إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ مُنْذُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْقَوْسَ بِيَدِهِ‏.‏

وَقَدْ أَفْتَى مَالِكٌ فِيمَنْ قَالَ‏:‏ تُرْبَةُ الْمَدِينَةِ رَدِيَّةٌ يُضْرَبُ ثَلَاثِينَ دِرَّةً، وَأَمَرَ بِحَبْسِهِ، وَكَانَ لَهُ قَدْرٌ، وَقَالَ‏:‏ مَا أَحْوَجَهُ إِلَى ضَرْبِ عُنُقِهِ‏!‏ تُرْبَةٌ دُفِنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزْعُمُ أَنَّهَا غَيْرُ طَيِّبَةٍ‏.‏

وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ‏:‏ «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا»‏.‏

وَحُكِيَ أَنْ جَهْجَاهًا الْغِفَارِيَّ أَخَذَ قَضِيبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَدِ عُثْمَانَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وَتَنَاوَلَهُ لِيَكْسِرَهُ عَلَى رُكْبَتِهِ، فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ، فَأَخَذَتْهُ الْآكِلَةُ فِي رُكْبَتِهِ فَقَطَعَهَا، وَمَاتَ قَبْلَ الْحَوْلِ‏.‏

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»‏.‏

وَحُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا الْفَضْلِ الْجَوْهَرِيَّ لَمَّا وَرَدَ الْمَدِينَةَ زَائِرًا، وَقَرُبَ مِنْ بُيُوتِهَا تَرَجَّلَ، وَمَشَى بَاكِيًا مُنْشِدًا‏:‏

وَلَمَّا رَأَيْنَا رَسْمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ لَنَا *** فُؤَادًا لِعِرْفَانِ الرُّسُومِ وَلَا لُبَّا

نَزَلْنَا عَنِ الْأَكْوَارِ نَمْشِي كَرَامَةً *** لِمَنْ بَانَ عَنْهُ أَنْ نُلِمَّ بِهِ رَكْبَا

وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُرِيدِينَ أَنَّهُ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى مَدِينَةِ الرَّسُولِ أَنْشَدَ يَقُولُ مُتَمَثِّلًا‏:‏

رُفِعَ الْحِجَابُ لَنَا فَلَاحَ لِنَاظِرٍ *** قَمَرٌ تَقَطَّعَ دُونَهُ الْأَوْهَامُ

وَإِذَا الْمَطِيُّ بِنَا بَلَغْنَ مُحَمَّدًا *** فَظُهُورُهُنَّ عَلَى الرِّجَالِ حَرَامُ

قَرَّبْنَنَا مِنْ خَيْرِ مَنْ وَطِئَ الثَّرَى *** فَلَهَا عَلَيْنَا حُرْمَةٌ وَذِمَامُ

وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ حَجَّ مَاشِيًا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ الْعَبْدُ الْآبِقُ يَأْتِي إِلَى بَيْتِ مَوْلَاهُ رَاكِبًا‏؟‏‏!‏ لَوْ قَدَرْتُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي مَا مَشَيْتُ عَلَى قَدَمَيَّ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي‏:‏ وَجَدِيرٌ لِمَوَاطِنَ عُمِّرَتْ بِالْوَحْيِ، وَالتَّنْزِيلِ، وَتَرَدَّدَ بِهَا جِبْرِيلُ، وَمِيكَائِيلُ، وَعَرَجَتْ مِنْهَا الْمَلَائِكَةُ، وَالرُّوحُ، وَضَجَّتْ عَرَصَاتُهَا بِالتَّقْدِيسِ، وَالتَّسْبِيحِ، وَاشْتَمَلَتْ تُرْبَتُهَا عَلَى جَسَدِ سَيِّدِ الْبَشَرِ، وَانْتَشَرَ عَنْهَا مِنْ دِينِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مَا انْتَشَرَ، مَدَارِسُ آيَاتٍ، وَمَسَاجِدُ، وَصَلَوَاتٌ، وَمَشَاهِدُ الْفَضَائِلِ، وَالْخَيْرَاتِ، وَمَعَاهِدُ الْبَرَاهِينِ، وَالْمُعْجِزَاتِ، وَمَنَاسِكُ الدِّينِ، وَمَشَاعِرُ الْمُسْلِمِينَ، وَمَوَاقِفُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَمُتَبَوَّأُ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، حَيْثُ انْفَجَرَتِ النُّبُوَّةُ، وَأَيْنَ فَاضَ عُبَابُهَا، وَمُوَاطِنُ طُوِيَتْ فِيهَا الرِّسَالَةُ، وَأَوَّلُ أَرْضٍ مَسَّ جِلْدُ الْمُصْطَفَى تُرَابَهَا أَنْ تُعَظَّمَ عَرَصَاتُهَا، وَتُتَنَسَّمَ نَفَحَاتُهَا، وَتُقَبَّلَ رُبُوعُهَا، وَجُدُرَاتُهَا‏:‏

يَا دَارَ خَيْرِ الْمُرْسَلِينَ وَمَنْ بِهِ *** هُدِيَ الْأَنَامُ وَخُصَّ بِالْآيَاتِ

عِنْدِي لِأَجْلِكِ لَوْعَةٌ وَصَبَابَةٌ *** وَتَشَوُّقٌ مُتَوَقِّدُ الْجَمَرَاتِ

وَعَلَيَّ عَهْدٌ إِنْ مَلَأْتُ مَحَاجِرِي *** مِنْ تِلْكُمُ الْجُدُرَاتِ وَالْعَرَصَاتِ

لَأُعَفِّرَنَّ مَصُونَ شَيْبِيَ بَيْنَهَا *** مِنْ كَثْرَةِ التَّقْبِيلِ وَالرَّشَفَاتِ

لَوْلَا الْعَوَادِي وَالْأَعَادِي زُرْتُهَا *** أَبَدًا وَلَوْ سَحْبًا عَلَى الْوَجَنَاتِ

لَكِنْ سَأُهْدِي مِنْ حَفِيلِ تَحِيَّتِي *** لِقَطِينِ تِلْكَ الدَّارِ وَالْحُجُرَاتِ

أَزْكَى مِنَ الْمِسْكِ الْمُفَتَّقِ نَفْحَةً *** تَغْشَاهُ بِالْآصَالِ وَالْبَكَرَاتِ

وَتَخُصُّهُ بِزَوَاكِي الصَّلَوَاتِ *** وَنَوَامِيَ التَّسْلِيمِ وَالْبَرَكَاتِ

الباب الرَّابِعُ‏:‏ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَالتَّسْلِيمِ، وَفَرْضِ ذَلِكَ، وَفَضِيلَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَفِيهِ عَشْرُ فُصُولٍ‏:‏

الفصل الْأَوَّلُ‏:‏ مَعْنَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

الفصل الثَّانِي‏:‏ اعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

الفصل الثَّالِثُ‏:‏ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا‏.‏

الفصل الرَّابِعُ‏:‏ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ‏.‏

الفصل الْخَامِسُ‏:‏ فِي فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ‏.‏

الفصل السَّادِسُ‏:‏ فِي ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ‏.‏

الفصل السَّابِعُ‏:‏ فِي تَخْصِيصِهِ بِتَبْلِيغِ صَلَاةِ الْمُصَلِّينَ‏.‏

الفصل الثَّامِنُ‏:‏ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهِ‏.‏

الفصل التَّاسِعُ‏:‏ فِي حُكْمِ زِيَارَةِ قَبْرِهِ‏.‏

الفصل الْعَاشِرُ‏:‏ فِيمَا يَلْزَمُ مَنْ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

الباب الرَّابِعُ‏:‏ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَالتَّسْلِيمِ، وَفَرْضِ ذَلِكَ، وَفَضِيلَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الفصل الْأَوَّلُ‏:‏ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ‏}‏ ‏[‏الْأَحْزَابِ‏:‏ 56‏]‏ الْآيَةَ‏.‏

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ، وَمَلَائِكَتَهُ يُبَارِكُونَ عَلَى النَّبِيِّ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَتَرَحَّمُ عَلَى النَّبِيِّ، وَمَلَائِكَتَهُ يَدْعُونَ لَهُ‏.‏

قَالَ الْمُبَرِّدُ ‏:‏ وَأَصْلُ الصَّلَاةِ التَّرَحُّمُ، فَهِيَ مِنَ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ رِقَّةٌ، وَاسْتِدْعَاءٌ لِلرَّحْمَةِ مِنَ اللَّهِ‏.‏

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ‏:‏ صِفَةُ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى مَنْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ‏:‏ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» فَهَذَا دُعَاءٌ‏.‏

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْقُشَيْرِيُّ ‏:‏ الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةٌ، وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْرِيفٌ، وَزِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ‏.‏

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ ‏:‏ صَلَاةُ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ ‏:‏ وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ بَيْنَ لَفْظِ الصَّلَاةِ، وَلَفْظِ الْبَرَكَةِ، فَدَلَّ أَنَّهُمَا بِمَعْنَيَيْنِ‏.‏

وَأَمَّا التَّسْلِيمُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ بُكَيْرٍ ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ أُمِرُوا أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ حُضُورِهِمْ قَبْرَهُ، وَعِنْدَ ذِكْرِهِ‏.‏

وَفِي مَعْنَى السَّلَامِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ السَّلَامَةُ لَكَ، وَمَعَكَ، وَيَكُونُ السَّلَامُ مَصْدَرًا كَاللَّذَاذِ، وَاللَّذَاذَةِ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ أَيِ السَّلَامُ عَلَى حِفْظِكَ، وَرِعَايَتِكَ مُتَوَلٍّ لَهُ، وَكَفِيلٌ بِهِ، وَيَكُونُ هُنَا السَّلَامُ اسْمَ اللَّهِ‏.‏

الثَّالِثُ‏:‏ أَنَّ السَّلَامَ بِمَعْنَى الْمُسَالَمَةِ لَهُ، وَالِانْقِيَادِ كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا‏}‏ ‏[‏النِّسَاءِ‏:‏ 65‏]‏‏.‏

الفصل الثَّانِي‏:‏ حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

اعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، غَيْرُ مُحَدَّدٍ بِوَقْتٍ، لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَحَمْلِ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ لَهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ‏.‏

وَحَكَى أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَّ مَحْمِلَ الْآيَةِ عِنْدَهُ عَلَى النَّدْبِ، وَادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَلَعَلَّهُ فِيمَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ، وَالْوَاجِبُ مِنْهُ الَّذِي يَسْقُطُ بِهِ الْحَرَجُ، وَمَأْثَمُ تَرْكِ الْفَرْضِ مَرَّةً، كَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَمَنْدُوبٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ، مِنْ سُنَنِ الْإِسْلَامِ، وَشِعَارِ أَهْلِهِ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ ‏:‏ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَرَّةً مِنْ دَهْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ بُكَيْرٍ ‏:‏ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِ، وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُكْثِرَ الْمَرْءُ مِنْهَا، وَلَا يَغْفُلَ عَنْهَا‏.‏

قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ نَصْرٍ ‏:‏ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ‏:‏ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ بِالْجُمْلَةِ بِعَقْدِ الْإِيمَانِ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ عُمُرِهِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ‏.‏

وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ‏:‏ الْفَرْضُ مِنْهَا الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ فِي الصَّلَاةِ‏.‏

وَقَالُوا‏:‏ وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ‏.‏

وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَحَكَى الْإِمَامَانِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ ، وَغَيْرُهُمَا إِجْمَاعَ جَمِيعِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ‏.‏

وَشَذَّ الشَّافِعِيُّ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَعْدِ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ قَبْلَ السَّلَامِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ، وَلَا سَلَفَ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ، وَلَا سُنَّةَ يَتَّبِعُهَا‏.‏

وَقَدْ بَالَغَ فِي إِنْكَارِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ فِيهَا مَنْ تَقَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ، وَشَنَّعُوا عَلَيْهِ الْخِلَافَ فِيهَا، مِنْهُمُ الطَّبَرِيُّ ، وَ الْقُشَيْرِيُّ ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ‏.‏

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ ‏:‏ يُسْتَحَبُّ أَلَّا يُصَلِّيَ أَحَدٌ صَلَاةً إِلَّا صَلَّى فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ مُجْزِئَةٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَغَيْرِهِمْ‏.‏ وَهُوَ قَوْلُ جُمَلِ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏

وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَسُفْيَانَ أَنَّهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مُسْتَحَبَّةٌ، وَأَنَّ تَارِكَهَا فِي التَّشَهُّدِ مُسِيءٌ‏.‏

وَشَذَّ الشَّافِعِيُّ فَأَوْجَبَ عَلَى تَارِكِهَا فِي الصَّلَاةِ الْإِعَادَةَ، وَأَوْجَبَ إِسْحَاقُ الْإِعَادَةَ مَعَ تَعَمُّدِ تَرْكِهَا دُونَ النِّسْيَانِ‏.‏

وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرِيضَةٌ‏.‏

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ‏:‏ يُرِيدُ لَيْسَتْ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ، وَقَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَغَيْرُهُ‏.‏

وَحَكَى ابْنُ الْقَصَّارِ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمَوَّازِ يَرَاهَا فَرِيضَةً فِي الصَّلَاةِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ‏.‏

وَحَكَى أَبُو يَعْلَى الْعَبْدِيُّ الْمَالِكِيُّ عَنِ الْمَذْهَبِ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ‏:‏

الْوُجُوبُ، وَالسُّنَّةُ، وَالنَّدْبُ‏.‏

وَقَدْ خَالَفَ الْخَطَّابِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَغَيْرُهُ الشَّافِعِيَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ،

قَالَ الْخَطَّابِيُّ ‏:‏ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا الشَّافِعِيَّ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهَا قُدْوَةً‏.‏

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ عَمَلُ السَّلَفِ الصَّالِحِ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ، وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَدْ شَنَّعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جِدًّا‏.‏

وَهَذَا تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَبِي هُرَيْرَةَ، ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ صَلَاةً عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَ جَابِرٌ ‏:‏ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ‏.‏

وَنَحْوُهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ‏:‏ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ‏.‏

وَعَلَّمَهُ أَيْضًا عَلَى الْمِنْبَرِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-‏.‏

وَفِي الْحَدِيثِ‏:‏ «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»‏.‏

قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ كَامِلَةً، أَوْ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ مَرَّةً فِي عُمُرِهِ‏.‏

وَضَعَّفَ أَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ رِوَايَةَ هَذَا الْحَدِيثِ‏.‏

وَفِي حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يُصَلِّ فِيهَا عَلَيَّ، وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِي لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ»‏.‏

قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ‏:‏ الصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ‏:‏ لَوْ صَلَّيْتُ صَلَاةً لَمْ أُصَلِّ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ لَرَأَيْتُ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ‏.‏

الفصل الثَّالِثُ‏:‏ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَيُرَغَّبُ مِنْ ذَلِكَ فِي تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وَقَبْلَ الدُّعَاءِ‏:‏

‏[‏حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ‏:‏ حَدَّثَنَا الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَلْخِيُّ ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْفَارِسِيُّ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي عِيسَى الْحَافِظِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ الْجَنْبِيَّ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ‏:‏ سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «عَجِلَ هَذَا»‏.‏ ثُمَّ دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ، وَلِغَيْرِهِ‏:‏ «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ»‏.‏

وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا السَّنَدِ بِتَمْجِيدِ اللَّهِ، وَهُوَ أَصَحُّ‏.‏

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ‏:‏ الدُّعَاءُ، وَالصَّلَاةُ مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ، فَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَعَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ، وَعَنْ عَلِيٍّ‏:‏ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ‏.‏

وَرُوِيَ أَنَّ الدُّعَاءَ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلِّيَ الدَّاعِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏:‏ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ شَيْئًا فَلْيَبْدَأْ بِمَدْحِهِ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لْيَسْأَلْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يَنْجَحَ‏.‏

وَعَنْ جَابِرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ، فَإِنَّ الرَّاكِبَ يَمْلَأُ قَدَحَهُ ثُمَّ يَضَعُهُ، وَيَرْفَعُ مَتَاعَهُ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى شَرَابٍ شَرِبَهُ، أَوِ الْوُضُوءِ تَوَضَّأَ، وَإِلَّا هَرَاقَهُ، وَلَكِنِ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ، وَأَوْسَطِهِ، وَآخِرِهِ»‏.‏

وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ ‏:‏ لِلدُّعَاءِ أَرْكَانٌ وَأَجْنِحَةٌ، وَأَسْبَابٌ، وَأَوْقَاتٌ، فَإِنْ وَافَقَ أَرْكَانَهُ قَوِيَ، وَإِنْ وَافَقَ أَجْنِحَتَهُ طَارَ فِي السَّمَاءِ، وَإِنْ وَافَقَ مَوَاقِيتَهُ فَازَ، وَإِنْ وَافَقَ أَسْبَابَهُ أَنْجَحَ، فَأَرْكَانُهُ حُضُورُ الْقَلْبِ، وَالرِّقَّةُ، وَالِاسْتِكَانَةُ، وَالْخُشُوعُ، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِاللَّهِ، وَقَطْعُهُ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَأَجْنِحَتُهُ الصِّدْقُ، وَمَوَاقِيتُهُ الْأَسْحَارُ، وَأَسْبَابُهُ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَفِي الْحَدِيثِ‏:‏ «الدُّعَاءُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لَا يُرَدُّ»‏.‏

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ‏:‏ «كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ دُونَ السَّمَاءِ، فَإِذَا جَاءَتِ الصَّلَاةُ عَلَيَّ صَعِدَ الدُّعَاءُ»‏.‏

وَفِي دُعَاءِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ حَنَشٌ، فَقَالَ فِي آخِرِهِ‏:‏ وَاسْتَجِبْ دُعَائِي، ثُمَّ تَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكِ، وَنَبِيِّكِ، وَرَسُولِكِ أَفْضَلَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ أَجْمَعِينَ آمِينَ‏.‏

وَمِنْ مُوَاطِنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ، وَسَمَاعِ اسْمِهِ، أَوْ كِتَابَتِهِ، أَوْ عِنْدَ الْأَذَانِ‏.‏

وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»‏.‏

وَكَرِهَ ابْنُ حَبِيبٍ ذِكْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الذَّبْحِ‏.‏

وَكَرِهَ سَحْنُونٌ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ، وَقَالَ‏:‏ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إِلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِسَابِ، وَطَلَبِ الثَّوَابِ‏.‏

قَالَ أَصْبَغُ ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ‏:‏ مَوْطِنَانِ لَا يُذْكَرُ فِيهِمَا إِلَّا اللَّهُ‏:‏ الذَّبِيحَةُ، وَالْعُطَاسُ، فَلَا تَقُلْ فِيهِمَا بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ‏:‏ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ وَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ‏:‏ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ لَمْ يَكُنْ تَسْمِيَةً لَهُ مَعَ اللَّهِ‏.‏

وَقَالَهُ أَشْهَبُ ، قَالَ‏:‏ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ اسْتِنَانًا‏.‏

وَرَوَى النَّسَائِيُّ ، عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ الْأَمْرَ بِالْإِكْثَارِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ‏.‏

وَمِنْ مَوَاطِنِ الصَّلَاةِ، وَالسَّلَامِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ‏.‏

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَعْبَانَ ‏:‏ وَيَنْبَغِي لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى آلِهِ، وَيَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَيُبَارِكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ، وَيُسَلِّمَ تَسْلِيمًا، وَيَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ‏.‏

وَإِذَا خَرَجَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَجَعَلَ مَوْضِعَ رَحْمَتِكَ ‏"‏ فَضْلِكَ ‏"‏‏.‏

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ‏}‏ ‏[‏النُّورِ‏:‏ 61‏]‏ قَالَ‏:‏ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ فَقُلْ‏:‏ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ‏.‏ السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَبَرَكَاتُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ‏:‏ الْمُرَادُ بِالْبُيُوتِ هُنَا الْمَسَاجِدُ‏.‏

وَقَالَ النَّخَعِيُّ ‏:‏ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ فَقُلْ‏:‏ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ فَقُلْ‏:‏ السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ‏.‏

وَعَنْ عَلْقَمَةَ‏:‏ إِذَا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ أَقُولُ‏:‏ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَبَرَكَاتُهُ، صَلَّى اللَّهُ، وَمَلَائِكَتُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ‏.‏ وَنَحْوُهُ عَنْ كَعْبٍ‏:‏ إِذَا دَخَلَ، وَإِذَا خَرَجَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّلَاةَ‏.‏

وَاحْتَجَّ ابْنُ شَعْبَانَ لِمَا ذَكَرَهُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ‏.‏

وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ‏.‏ وَذَكَرَ السَّلَامَ، وَالرَّحْمَةَ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ آخِرَ الْقِسْمِ، وَالِاخْتِلَافَ فِي أَلْفَاظِهِ‏.‏

وَمِنْ مَوَاطِنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَيْضًا الصَّلَاةُ عَلَى الْجَنَائِزِ‏.‏

وَذُكِرَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهَا مِنَ السُّنَّةِ‏.‏

وَمِنْ مَوَاطِنِ الصَّلَاةِ الَّتِي مَضَى عَلَيْهَا عَمَلُ الْأُمَّةِ، وَلَمْ تُنْكِرْهَا‏:‏ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآلِهِ فِي الرَّسَائِلِ، وَمَا يُكْتَبُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَأُحْدِثَ عِنْدَ وِلَايَةِ بَنِي هَاشِمٍ، فَمَضَى بِهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ‏.‏

وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتِمُ بِهِ أَيْضًا الْكُتُبَ‏.‏

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ»‏.‏

وَمِنْ مَوَاطِنِ السَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَهُّدُ الصَّلَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُقْرِئُ الْخَطِيبُ- رَحِمَهُ اللَّهُ-، وَغَيْرُهُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَتْنِي كَرِيمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، قَالَتْ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ‏:‏ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ، وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَبَرَكَاتُهُ‏.‏ السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»‏.‏

هَذَا أَحَدُ مَوَاطِنِ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، وَسُنَّتُهُ أَوَّلُ التَّشَهُّدِ‏.‏

وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ إِذَا فَرَغَ مِنْ تَشَهُّدِهِ، وَأَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ‏.‏

وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ أَنْ يُسَلِّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَبْلَ السَّلَامِ‏.‏

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ‏:‏ أَرَادَ مَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ عِنْدَ سَلَامِهِمَا‏:‏ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَبَرَكَاتُهُ‏.‏ السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ‏.‏ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ‏.‏

وَاسْتَحَبَّ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِنْسَانُ حِينَ سَلَامِهِ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَبَنِي آدَمَ وَالْجِنِّ‏.‏

قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ‏:‏ وَأُحِبُّ لِلْمَأْمُومِ إِذَا سَلَّمَ إِمَامُهُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ‏.‏ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ‏.‏

الفصل الرَّابِعُ‏:‏ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ

‏[‏حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَقِيهُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو الْأَصْبَغِ ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ وَاقِدٍ وَغَيْرُهُ، قَالُوا‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قَالَ‏]‏‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ «قُولُوا‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»‏.‏

وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ‏:‏ «قُولُوا‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ‏.‏ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عُلِّمْتُمْ»‏.‏

وَفِي رِوَايَةِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ‏:‏ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»‏.‏

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو فِي حَدِيثِهِ‏:‏ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ»‏.‏

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ، وَرَسُولِكَ» وَذَكَرَ مَعْنَاهُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ سَمَاعًا عَلَيْهِ، وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ طَرِيفٍ النَّحْوِيُّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، قَالَا‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ الْفَقِيهَ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمُطَّوِّعِيُّ، ‏[‏حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَارِمٍ الْحَافِظِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ حَرْبِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُسَاوِرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ‏:‏ عَدَّهُنَّ فِي يَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ‏:‏ عَدَّهُنَّ فِي يَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ‏:‏ عَدَّهُنَّ فِي يَدِي جِبْرِيلُ، وَقَالَ‏:‏ هَكَذَا نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعِزَّةِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ‏.‏ اللَّهُمَّ وَتَرَحَّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا تَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وَتَحَنَّنْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا تَحَنَّنْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»‏.‏

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُلْ‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَذُرِّيَّتِهِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»‏.‏

وَفِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ الْأَنْصَارِيِّ‏:‏ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ‏؟‏

فَقَالَ‏:‏ «صَلُّوا، وَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، ثُمَّ قُولُوا‏:‏ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»‏.‏

وَعَنْ سَلَامَةَ الْكِنْدِيِّ كَانَ عَلِيٌّ يُعَلِّمُنَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمُدْحَاتِ، وَبَارِئَ الْمَسْمُوكَاتِ، اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ، وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ، وَرَأْفَةَ تَحَنُّنِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ، وَرَسُولِكَ، الْفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالْخَاتَمِ لِمَا سَبَقَ، وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ، وَالدَّامِغِ لِجَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ، كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ بِأَمْرِكَ لِطَاعَتِكَ، مُسْتَوْفِزًا فِي مَرْضَاتِكَ، وَاعِيًا لِوَحْيِكَ، حَافِظًا لِعَهْدِكَ، مَاضِيًا عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ، حَتَّى أَوْرَى قَبَسًا لِقَابِسٍ، آلَاءُ اللَّهِ تَصِلُ بِأَهْلِهِ أَسْبَابَهُ، بِهِ هُدِيَتِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ، وَالْإِثْمِ، وَأَبْهَجَ مُوضِحَاتِ الْأَعْلَامِ، وَنَائِرَاتِ الْأَحْكَامِ، وَمُنِيرَاتِ الْإِسْلَامِ، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ، وَخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ، وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ، وَبَعِيثُكَ نِعْمَةً، وَرَسُولُكَ بِالْحَقِّ رَحْمَةً، اللَّهُمَّ أَفْسِحْ لَهُ فِي عَدْنِكَ، وَاجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ، مُهَنَّئَاتٍ لَهُ غَيْرَ مُكَدَّرَاتٍ مِنْ فَوْزِ ثَوَابِكَ الْمَحْلُولِ، وَجَزِيلِ عَطَائِكَ الْمَعْلُولِ‏.‏ اللَّهُمَّ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ النَّاسِ بِنَاءَهُ، وَأَكْرِمْ مَثْوَاهُ لَدَيْكَ، وَنُزُلَهُ، وَأَتِمَّ لَهُ نُورَهُ، وَاجْزِهِ مِنِ ابْتَعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ، وَمَرَضِيَّ الْمَقَالَةِ، ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ، وَخُطَّةِ فَصْلٍ، وَبُرْهَانٍ عَظِيمٍ‏.‏

وَعَنْهُ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ‏}‏ ‏[‏الْأَحْزَابِ‏:‏ 56‏]‏ الْآيَةَ‏.‏

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ رَبِّي، وَسَعْدَيْكَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ، وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَالنَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَالشُّهَدَاءِ، وَالصَّالِحِينَ، وَمَا سَبَّحَ لَكَ مِنْ شَيْءٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَرَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الشَّاهِدِ الْبَشِيرِ، الدَّاعِي إِلَيْكَ بِإِذْنِكَ، السِّرَاجِ الْمُنِيرِ، وَعَلَيْهِ السَّلَامُ‏.‏

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ‏:‏ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ، وَبَرَكَاتِكَ، وَرَحْمَتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ، وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ، وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ‏.‏ اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ، وَالْآخِرُونَ‏.‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ‏.‏

وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ‏:‏ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ بِالْكَأْسِ الْأَوْفَى مِنْ حَوْضِ الْمُصْطَفَى فَلْيَقُلْ‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَوْلَادِهِ، وَأَزْوَاجِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَصْهَارِهِ، وَأَنْصَارِهِ، وَأَشْيَاعِهِ، وَمُحِبِّيهِ، وَأُمَّتِهِ، وَعَلَيْنَا، مَعَهُمْ أَجْمَعِينَ‏.‏ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ‏.‏

وَعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ شَفَاعَةَ مُحَمَّدٍ الْكُبْرَى، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ الْعُلْيَا، وَآتِهِ سُؤْلَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَالْأُولَى، كَمَا آتَيْتَ إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى‏.‏

وَعَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ‏:‏ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُحَمَّدًا أَفْضَلَ مَا سَأَلَكَ لِنَفْسِهِ، وَأَعْطِ مُحَمَّدًا أَفْضَلَ مَا سَأَلَكَ لَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ‏.‏ وَأَعْطِ مُحَمَّدًا أَفْضَلَ مَا أَنْتَ مَسْئُولٌ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسِنُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ، لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ، وَقُولُوا‏:‏ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ، وَرَحْمَتِكَ، وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ، وَرَسُولِكَ إِمَامِ الْخَيْرِ، وَقَائِدِ الْخَيْرِ، وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ‏.‏ اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ، وَالْآخِرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ‏.‏ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ‏.‏

وَمَا يُؤْثَرُ فِي تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ، وَتَكْثِيرِ الثَّنَاءِ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ، وَغَيْرِهِمْ كَثِيرٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ‏:‏ هُوَ مَا عَلَّمَهُمُ اللَّهُ فِي التَّشَهُّدِ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ»‏.‏

وَفِي تَشَهُّدِ عَلِيٍّ‏:‏ السَّلَامُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، وَرُسُلِهِ، السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُؤْمِنَاتِ، مَنْ غَابَ مِنْهُمْ، وَمَنْ شَهِدَ‏.‏ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمُحَمَّدٍ، وَتَقَبَّلْ شَفَاعَتَهُ، وَاغْفِرْ لِأَهْلِ بَيْتِهِ، وَاغْفِرْ لِي، وَلِوَالِدَيَّ، وَمَا وَلَدَا، وَارْحَمْهُمَا‏.‏ السَّلَامُ عَلَيْنَا، وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَبَرَكَاتُهُ‏.‏

جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ‏:‏ الدُّعَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُفْرَانِ‏.‏

وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عَنْهُ أَيْضًا قَبْلَ‏:‏ الدُّعَاءِ لَهُ بِالرَّحْمَةِ، وَلَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ الْمَعْرُوفَةِ‏.‏

وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُدْعَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحْمَةِ، وَإِنَّمَا يُدْعَى لَهُ بِالصَّلَاةِ، وَالْبَرَكَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِ، وَيُدْعَى لِغَيْرِهِ بِالرَّحْمَةِ، وَالْمَغْفِرَةِ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَآلَ مُحَمَّدٍ كَمَا تَرَحَّمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ‏.‏

وَلَمْ يَأْتِ هَذَا فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ‏.‏ وَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ فِي السَّلَامِ‏:‏ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَبَرَكَاتُهُ‏.‏

الفصل الْخَامِسُ‏:‏ فِي فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ، وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، وَالدُّعَاءِ لَهُ

‏[‏حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّيْخُ الصَّالِحُ مِنْ كِتَابِهِ، حَدَّثَنَا الْقَاضِي يُونُسُ بْنُ مُغِيثٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا النَّسَائِيُّ ، أَنْبَأَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي كَعْبُ بْنُ عَلْقَمَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ مَوْلَى نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو‏]‏ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ قُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، وَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ»‏.‏

وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ»‏.‏

وَفِي رِوَايَةٍ‏:‏ وَكَتَبَ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ‏.‏

وَعَنْ أَنَسٍ، عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَنَّ جِبْرِيلَ نَادَانِي، فَقَالَ‏:‏ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَرَفَعَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ»‏.‏

وَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «لَقِيتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ لِي‏:‏ إِنِّي أُبَشِّرُكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ»‏.‏

وَنَحْوَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ‏.‏

وَعَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ‏:‏ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ «مَنْ قَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَأَنْزِلْهُ الْمَنْزِلَ الْمُقَرَّبَ عِنْدَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي»‏.‏

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ‏:‏ «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً»‏.‏

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا بَقِيَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ»‏.‏

وَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ‏:‏ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقْلِلْ مِنْ ذَلِكَ عَبْدٌ أَوْ لِيُكْثِرْ»‏.‏

وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ رُبُعُ اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ‏:‏ «أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ»‏.‏

فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي‏؟‏

قَالَ‏:‏ «مَا شِئْتَ»‏.‏ قَالَ‏:‏ الرُّبُعَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ «مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ»‏.‏ قَالَ الثُّلُثَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ «مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ»‏.‏

قَالَ‏:‏ النِّصْفَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ «مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ»‏.‏

قَالَ‏:‏ الثُّلُثَيْنِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ «مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ»‏.‏ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَجْعَلُ صَلَاتِي كُلَّهَا لَكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ «إِذًا تُكْفَى، وَيُغْفَرُ ذَنْبُكَ»‏.‏

وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ‏:‏ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ مِنْ بِشْرِهِ، وَطَلَاقَتِهِ مَا لَمْ أَرَهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ‏:‏ «وَمَا يَمْنَعُنِي، وَقَدْ خَرَجَ جِبْرِيلُ آنِفًا، فَأَتَانِي بِبِشَارَةٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكَ أُبَشِّرُكَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ يُصَلِّي عَلَيْكَ إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ، وَمَلَائِكَتُهُ بِهَا عَشْرًا»‏.‏

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ‏:‏ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ، وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»‏.‏

وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ‏:‏ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ، وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ»‏.‏

وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «مَنْ سَلَّمَ عَلَيَّ عَشْرًا فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ رَقَبَةً»‏.‏

وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ‏:‏ «لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ مَا أَعْرِفُهُمْ إِلَّا بِكَثْرَةِ صَلَاتِهِمْ عَلَيَّ»‏.‏

وَفِي آخَرَ‏:‏ «إِنَّ أَنْجَاكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَهْوَالِهَا، وَمَوَاطِنِهَا أَكْثَرُكُمْ عَلَيَّ صَلَاةً»‏.‏

وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ‏:‏ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْحَقُ لِلذُّنُوبِ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ لِلنَّارِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الرِّقَابِ‏.‏

الفصل السَّادِسُ‏:‏ فِي ذَمِّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِثْمِهِ

‏[‏حَدَّثَنَا الْقَاضِي الشَّهِيدُ أَبُو عَلِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ-، حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَيْرُونٍ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ الصَّيْرَفِيُّ، قَالَا‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا السِّنْجِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ‏]‏، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ»‏.‏

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏:‏ وَأَظُنُّهُ قَالَ‏:‏ أَوْ أَحَدُهُمَا‏.‏

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ‏:‏ ‏[‏آمِينَ،‏]‏ ثُمَّ صَعِدَ، فَقَالَ‏:‏ ‏[‏آمِينَ‏]‏، ثُمَّ صَعِدَ، فَقَالَ‏:‏ ‏[‏آمِينَ‏]‏، فَسَأَلَهُ مُعَاذٌ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، مَنْ سُمِّيتَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ آمِينَ، فَقُلْتُ آمِينَ»‏.‏

وَقَالَ فِيمَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فَمَاتَ مِثْلَ ذَلِكَ‏.‏

وَمَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ، أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَبِرَّهُمَا فَمَاتَ مِثْلَهُ‏.‏

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ «الْبَخِيلُ الَّذِي ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»‏.‏

وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ أُخْطِئَ بِهِ طَرِيقُ الْجَنَّةِ»‏.‏

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إِنَّ الْبَخِيلَ كُلَّ الْبَخِيلِ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»‏.‏

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَيُّمَا قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِسًا، ثُمَّ تَفَرَّقُوا قَبْلَ أَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ، وَيُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ»‏.‏

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-‏:‏ «مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ نَسِيَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ»‏.‏

وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مِنَ الْجَفَاءِ أَنْ أُذْكَرَ عِنْدَ الرَّجُلِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ»‏.‏

وَعَنْ جَابِرٍ، عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَلَى غَيْرِ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا تَفَرَّقُوا عَلَى أَنْتَنَ مِنْ رِيحِ الْجِيفَةِ»‏.‏ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ‏:‏ «لَا يَجْلِسُ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَا يُصَلُّونَ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِمَا يَرَوْنَ مِنَ الثَّوَابِ»‏.‏

وَحَكَى أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ‏:‏ إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً فِي الْمَجْلِسِ أَجْزَأَ عَنْهُ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ‏.‏